أراء وكتاب وتغريدات

مقال لـ طه بافضل.. لا تحتقر وتظن سوءً في من نزلت به حاجة فباح بها إليك

يا له من كلام بليغ يحمل في طياته دروسًا عميقة في الإنسانية والتعاطف! دعني أتأمل معك هذه الكلمات الرائعة:
أولًا: “لا تحتقر وتظن سوء في من نزلت به حاجة فباح بها اليك”

هذه العبارة تنهانا بشكل مباشر عن الاحتقار وسوء الظن تجاه الشخص الذي اضطرته الظروف إلى طلب المساعدة أو كشف حاجته لنا. تخيل للحظة، أن يبوح إنسان بضعفه وحاجته ليس بالأمر الهين، بل يتطلب شجاعة وثقة فيمن يوجه إليه هذا البوح.

* “لا تحتقر”: الاحتقار شعور سلبي مدمر، ينبع من شعور زائف بالتفوق. عندما نحتقر شخصًا محتاجًا، فإننا نقلل من إنسانيته ونتجاهل الظروف الصعبة التي ربما أدت به إلى هذا الموقف. ربما يكون هذا الشخص يمر بضائقة لم نخبرها، أو ابتلاء لم نتذوق مرارته. الاحتقار يغلق أبواب الرحمة في قلوبنا ويجعلنا غير قادرين على رؤية الجانب الإنساني في الآخر.

* “وتظن سوء”: سوء الظن داء يفتك بالعلاقات الإنسانية. عندما يصارحنا شخص بحاجته، فإن أول ما يجب أن يتبادر إلى أذهاننا هو التعاطف والرغبة في المساعدة، لا الشك في نيته أو دوافعه. قد يكون لدى هذا الشخص عزة نفس تمنعه من البوح إلا عند الضرورة القصوى. سوء الظن يحول فعل البوح الصادق إلى موضع اتهام وريبة، ويزيد من ألم المحتاج بدلًا من تخفيفه.

* “في من نزلت به حاجة فباح بها اليك”: هذه الجملة تصور لنا صورة الشخص الذي أثقلته الحاجة وألجأته الظروف إلينا. إنه شخص وصل إلى مرحلة من الضغط والألم دفعه إلى كسر حاجز الصمت والاعتراف بضعفه أمامنا. هذا البوح بحد ذاته دليل على ثقته بنا أو على يأسه من إيجاد حل آخر.

ثانيًا: التأملات الأعمق في هذا الكلام:
* التذكير بتقلب الأحوال: الحياة دولاب، يومًا لك ويومًا عليك. قد نكون اليوم في موقع القوة والقدرة على العطاء، ولكن الغد يحمل في طياته المجهول. تذكرنا هذه الكلمات بألا نغتر بقوتنا وألا نسخر من ضعف غيرنا، فقد نجد أنفسنا يومًا ما في نفس الموقف.

* دعوة إلى التواضع: عندما يبوح لنا شخص بحاجته، يجب أن نستقبل ذلك بتواضع وتقدير لثقته بنا. هذا الموقف يختبر إنسانيتنا ويذكرنا بأننا جميعًا بشر ضعفاء نحتاج إلى بعضنا البعض في هذه الحياة.

* تأكيد على قيمة التعاطف: التعاطف هو أساس العلاقات الإنسانية السليمة. عندما نتعاطف مع من يبوح بحاجته، فإننا نشعر بآلامه ونسعى لتخفيفها قدر المستطاع. هذا الشعور الإنساني الرفيع هو ما يميزنا كبشر ويجعل مجتمعاتنا أكثر تماسكًا ورحمة.

* فرصة للعطاء: بوح المحتاج بحاجته هو في الحقيقة فرصة لنا لنكون سببًا في تفريج كربته وإدخال السرور إلى قلبه. العطاء ليس فقط ماديًا، بل قد يكون كلمة طيبة، أو دعاء صادق، أو حتى مجرد الإصغاء باهتمام.

* تحذير من القسوة: الاحتقار وسوء الظن هما وجهان للقسوة. عندما نتعامل بقسوة مع من لجأ إلينا، فإننا نزيد من معاناته ونترك في نفسه جرحًا عميقًا قد لا يندمل.

وختاماً، هذه الكلمات بمثابة مرآة تعكس مدى إنسانيتنا ورحمتنا. إنها دعوة صادقة إلى أن ننظر إلى المحتاج بعين الرحمة والتقدير، وأن نكون عونًا له لا عبئًا عليه. فلنتذكر دائمًا أن قوة الإنسان الحقيقية تكمن في رحمته وضعفه يكمن في قسوته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى