مقال لـ صــلاح مبارك .. الحكم الذاتي والحلم المؤجل للحضارم
منذ أكثر من ثلاثة أشهر تشهد حضرموت كبرى محافظات اليمن مساحة و ثروة وموقعا جيوسياسي حراكُا سياسيًا ومجتمعيًا واسعًا ألقى بظلاله على أوجه مجالات الحياة، و أدخل البلد في حالة أرتباك، و ترقب على أعلى المستويات وفي مفاصل الدولة، مما استدعى مجلس القيادة الرئاسي في 17 سبتمبر 2024م لعقد اجتماعًا استثنائيًا لمناقشة تطورات الأوضاع على الساحة في حضرموت دون أن يتخذ أي قرارات تنفيذية جادة تجاه المطالب الحقوقية والخدمية التي تقدم بها حلف قبائل حضرموت و المحددة في بيان اجتماعه الاستثنائي الذي عقده في هضبة حضرموت في 31 يوليو 2024م، على الرغم من أن مجلس القيادة الرئاسي أبدى «تفهمه الكامل للحقوق المطلبية لابناء حضرموت» ، بل أشاد «بوعي كافة مكوناتهم سلطة محلية، وقوى سياسية ومجتمعية في تعزيز وحدة الصف، والنأي بالمحافظة عن أي توترات أو خلافات بينية، والتفرغ لتنميتها، وتخفيف معاناة ابنائها وتعزيز حضورها في صنع القرار المحلي، والمركزي«
ظلت حضرموت في سنوات الحرب في اليمن بعيدة عن دائرة الصراع، وآمنت نفسها كبلدة مسالمة ومستقرة، ثم فجأة ثارث، وتغيّر المزاج العام لأهلها بعد أن ملوا من شعارات التزلف التي لم تجني منه حضرموت ما تستحقه من مكانة سياسية حضورية ولا مشاريع خدمية تنموية يلمسها المواطن في حياته ..
استشعر مؤتمر حضرموت الجامع و حلف قبائل حضرموت خطورة الموقف وما يجرى تحت رماد الغضب والرفض المجتمعي فتصدرا المشهد وتبنا المطالب الحقوقية العادلة لجميع أبناء حضرموت الذين عانوا صنوفا من الاهمال والتهميش والظلم واصبحت أرضهم ساحة نهب وفيد للقوى المتسلطة التي عبثت بهذا البلد وامنه واستقراره وثرواته.
في 13 يوليو 2024م أمهل مؤتمر حضرموت الجامع قيادة السلطة المحلية 30 يومًا لتنفيذ عدد من المطالب إنقاذًا للوضع الخدمي والمعيشي للناس وانهيار التعليم ؛ مهدداً بإعلان أبناء حضرموت «إجراءات مؤلمة تبدأ ولا تنتهي إلا برفع الظلم»، وأوضح في بيان أصدره عقب عقده لقاء موسع لقياداته التنظيمية والتنفيذية في عاصمة حضرموت “المكلا” بأن حضرموت تشهد «واقعا خدميًا ومعيشيًا واداريًا مترديًا، ويعاني فيه أهلها حالة من البؤس والمعاناة سببتها لهم سياسات تسلطية افتقرت إلى الرؤية للتعاطي مع الإشكاليات والتحديات بروح المسؤولية والبحث عن الحلول والمعالجات» .
وطالب الجامع الحضرمي بإيجاد معالجات وحلول مع ممثلي المعلمين، وإنهاء حرمان الطلاب من حقهم في التعليم، والكشف بشفافية عن إيرادات حضرموت، وأوجه انفاقها، وإنهاء حالة التفرد بالسلطة، والعمل بالتوافق في اتخاذ كافة القرارات، ولأجل ذلك قدم مقترحًا بتشكيل لجنة مشتركة مع السلطة يكون فيها المجتمع شريكًا أساسيًا لإدارة الموارد المالية لحضرموت وأولويات الإنفاق، والإعلان عن رؤية تنفيذية مزمّنة لإصلاح الكهرباء بعموم حضرموت، وإيجاد الحلول والمعالجات محليًا ومركزيًا لإيقاف التدهور المعيشي وانهيار قيمة العملة، وإنقاذ المواطنين من المجاعة والفقر، داعيًا مجلس القيادة الرئاسي والحكومة لإتخاذ ما يلزم لتصحيح الأوضاع المختلة ، إلا أن فترة المهلة التي حددها مؤتمر حضرموت الجامع مرت دون بوادر انفراج أو استجابة لتحقيق تلك المطالب.. مما حذا بحلف قبائل حضرموت الذي يمتلك رصيد نضالي كبير وسجل حافل بالتضحيات الجسام، وقوة فعلية لا يستهان بها أن يأخذ المبادرة ويفرض الأمر الواقع في وضع اليد على الأرض والثروة في حالة ظل مجلس القيادة الرئاسي متجاهلًا لحضرموت ومطالبها المعلنة.. وبالفعل دعا الحلف الذي يتزعمه الشيخ عمرو بن حبريش، في 31 يوليو 2024م قياداته ورموزه القبلية إلى الإجتماع في هضبة حضرموت ووجه خطابه المباشر لرئيس مجلس القيادة الرئاسي ، للاعتراف بحق حضرموت وتفعيل شراكتها الحقيقية ممثلة في مؤتمر حضرموت الجامع، أسوة بالأطراف الأخرى.
تضمن بيان الحلف الصادر عن لقاء الهضبه تحذيرا من الإقدام على أي تصرف بنفط حضرموت أو تصديره أو تسويقه إلا بعد تثبيت مكانة حضرموت وضمان حقوقها بما يرتضيه أهلها، و تنفيذ القرارات المتخذة من مؤتمر حضرموت الجامع والمزمنة الصادرة بتاريخ 13 يوليو 2024م و اعتبار “المخزون النفطي الحالي في خزانات ميناء ضبة والمسيلة حق من حقوق حضرموت، ولا تنازل عنه ، على أن يُسخّر كامل قيمته لشراء طاقة كهربائية لحضرموت”.
تساءل الكثير من المراقبين وأصحاب الرأي عن اسباب تلكوء رئيس مجلس القيادة الرئاسي في التعاطي السريع والتعامل الايجابي مع المطالب المرفوعة من مكونات حضرموت و اللجوء إلى أساليب التسويف في التنفيذ عبر بوابة تشكيل لجان هامشية لم تحظ باي قبول، مما ترك الحبل على الغارب، و يزيد حدة الغليان الشعبي في ظل ثبات مواقف حلف قبائل حضرموت و تمسكه بتحقيق استحقاقات حضرموت ومواصلة تحركاته الميدانية نحو بلوغ تطلعات الحضارم المنشودة.
حضرموت الشاسعة مساحة والغنية بالثروات النفطية والمعدنية سواء المعلن عنها أو غير المعلن و ما تمتاز به من موقع جغرافي استراتيجي تمتلك تجربة رائدة في مؤتمر حضرموت الجامع الذي أنبثق من إرادة حضرمية مخلصة وحرة، و أجمع كل القوى والأطياف على أهداف ورؤية توافقية تقود حضرموت لأن تكون شريكة حقيقية معترف بدورها الفاعل ، لتأخذ مكانها الصحيح اللائق بها، و تحديد موقفها مما يدور حولها من صراع، واخذ الدروس والعبر منه بما يعود بالخير والنفع على أهل حضرموت خاصة والبلاد عامة، وحددت تلك الرؤية بأن تكون حضرموت إقليمًا مستقلاً بذاته في أية تسوية قادمة على أن يتمتع بسيادية كاملة، يحق لأبنائها ترك الاتحاد متى راوا أنه لم يعد على النحو الذي أتفق عليه.. وهذا الخيار لم يروق لبعض من سياسي الأحزاب اليمنية، ومنهم نزلاء العزب والفنادق ومهرجيهم الذي شيطنوا حضرموت ومشروعها المستقبلي مكونها الجامع ، على الرغم من أنه يحمل رسالة سلام واطمئنان، وعهد في الحفاظ على القيم و الثوابت ، وعدم الانفصال عنها بدليل أن مخرجات الجامع حددت بوضوح ان “يمثل أبناء حضرموت بنسبة 40 % في هيئات الاتحاد الرئيسية” أن وجد .
لقد ظلت حضرموت ومع وجود الصراع الإقليمي والدولي والهيمنة على المنطقة في رمي قوى النفوذ للسيطرة عليها واستلابها إلا أنها حافظت ان تكون بعيدة عن الانزلاق في ذلك ، و استطاعت بتلاحم مجتمعي ناضج ان تكون متماسكة محمية من الاختراق رغم نيران تلك القوى الملطخ تاريخها بوحل التآمر التي لم تستفيد من العبر والدروس القاسية التي مرت به وأذاقت به الشعب كؤوس الذل والهوان بدلا من الاتعاظ من أفعالها زادت قسوتها وتضييقها بشتى الأشكال على الحضارم ومكوناتهم الفاعلة ومنها مؤتمر حضرموت الجامع ..
من الواضح أن مشروع حضرموت يمضي واثق الخطوة ولم تهزه زوابع الواهمين والناعقين وأن بدأ بمطالب بسيطة اقتصادية وخدمية وتحقيق العدالة، لكن الغاية هي الوصول إلى الهدف الأسمى والحقيقي للحضارم في استعادة حقهم المسلوب و تضمييد جراحاتهم، اليوم هناك ثمة متغيرات وبروز إعلان الحكم الذاتي كامل الصلاحيات الذي نادت به حناجر جماهير حضرموت في العديد من مدنها العتيقة.. مستجد قفز للواجهة وخطوة متقدمة في الحراك الحضرمي المستمر للوصول إلى حلم الحضارم المؤجل.