أخبار محلية وتقارير

جهاز الأمن الوقائي.. خزنة أسرار الحوثية وذراع عملياتها المشبوهة، قيادته وطبيعة تنظيمه

أفاد تحقيق لموقع “ديفانس لاين” المتخصص بالشأن العسكري والأمني عن تفاصيل مهمة تتعلق بجهاز الأمن والمخابرات الحوثي، فمع اتساع مخاوف جماعة الحوثي من ضربة قد تستهدفها على غرار ما تعرض له حزب الله اللبناني، وانهيار البنية الأمنية للحزب، عادت الحركة للانكماش داخل قشرتها التنظيمية الصلبة وأعادت تفعيل وتعزيز قبضة أجهزتها السرية وأدواتها الداخلية، وفي مقدمة ذلك جهاز “الأمن الوقائي الجهادي” جهاز الأمن والمخابرات الخاص بالجماعة وذراع قبضتها الفولاذية وعملياتها الغامضة.

وأوضح “ديفانس لاين” بأن الجماعة تستند في بنيتها التنظيمية شديدة الصلابة على جهاز أمني صارم ساعد في حمايتها وحال دون محاولات اختراقها وسد الثغرات أمام خصومها وأعدائها، ونجحت في إحاطة نفسها بغلاف سري كان له الدور الفاعل في إبقاء الحركة وديمومة تمددها، وتفويت فرصة الوصول إلى معرفة كاملة وتقديرات صحيحة حول الجماعة وطبيعة تركيبتها، وهو الأمر الذي خدم الجماعة وسهل تمدد “المسيرة الجهادية” وتمهيد الطريق أمام طموحاتها التوسعية المتسقة مع مشروع ثورة الخميني ومشروع “إيران الكبرى”.

وقالت المنصة إنه منذ ما بعد مقتل مؤسس الحركة حسين بدرالدين، 10سبتمبر 2004م، اتجهت الجماعة نحو تشكيل “الدائرة الأمنية” ككيان تنظيمي وأحاطتها بدرجة عالية من السرية. بدأ عملها في نطاق ضيق محصورا على الأمن الشخصي لزعيم الجماعة ووالده بدرالدين والمقربين في العائلة.

وبحسب تحقيق “ديفانس لاين” فإن الأولوية كانت في تشكيل الدائرة المحدودة تعتمد بدرجة رئيسية على القرابة والارتباط العائلي إلى جانب الانتماء السلالي العقائدي وشروط الولاء والطاعة والإيمان الصريح بـ”المسيرة القرآنية”، وكان من الطبيعي أن تكون الأفضلية في ذلك لـ”المؤمنين” من ذوي القرابة مع “البيت الحوثي” وأصهار العائلة من الذين يثق بهم الأب، ويقتنع بهم عبدالملك، الوريث للقيادة، ممن رافقوا المؤسس حسين واعتنقوا أفكار الجماعة وتربوا على “الثقافة الجهادية” ودرسوا في محاضنها “العلمائية”. وهم غالبا تدربوا في إيران وحظوا بعناية خاصة في الإعداد والتدريب، ومرتبطين بشكل وثيق بالقيادة في طهران والضاحية اللبنانية والفروع المذهبية في دول عربية.

وأشار “ديفانس لاين” من بين “الأسر الهاشمية” ذات الارتباط الوثيق بعائلة بدرالدين الحوثي التي اعتمد عليها زعيم الجماعة في الجانب الأمني خلال السنوات الأولى، تبرز أسرة “الحُمران”، كإحدى أكبر العوائل التي استوطنت في صعدة نفوذا عسكريا وأمنيا وتنظيميا، وأقوى الأسر ارتباطا بالبيت الحوثي. تليها أسرة “المداني”، وهي الأخرى تربطها علاقة مصاهرة بعائلة الحوثي. ومثلما يحضر اسم “أحسن الحُمران”، حضر اسم “طه حسن إسماعيل المداني”، واسمه الحركي “أبو حسن”، وكلاهما تربطه وعوائله علاقة مصاهرة بالحوثي، إلى جانب الارتباط الفكري، ويتشاركان في الولاء والعقيدة، وحظيا بثقة عبدالملك ووالده.

وكان طه أحد الخمائر التي تلقت تدريبًا عاليًا، وسافر كثيرا إلى إيران والضاحية، وحظي بعناية خاصة من “محور المقاومة”. وهو شقيق يوسف المداني المكنى “أبو جبريل”، أحد أبرز قادة الجماعة رافق مؤسسها حسين وكان مقربا منه كما كان أحد المؤسسين الذين يرون أنفسهم أحق بخلافة حسين لقيادة التنظيم. وربما أن هذا الأمر زاد من حظوظ وحضور طه لدى عبدالملك الذي اختبر ولاءه له خلال جولتي الحرب الخامسة والسادسة عندما أوكل له مهمات ذات أهمية، نجح فيها لينال ثقة القائد الخلف ويزيده قربا منه.

وأكد “ديفانس لاين” في التحقيق أن البنية الأمنية للحركة الحوثية تطورت وفقا لتطور عملياتها ميدانيا وتنظيميا مع تنامي نفوذها وفرض “حكم ذاتي” في صعدة، قبل توسعها إلى خارج المحافظة ووضع يدها على الدولة اليمنية، ليتم تطوير الجهاز الأمني اعتمادا على الدعم والتدريب والمستشارين والتقنيات المقدمة من إيران ووكلائها، وفق توليفة أجهزة حزب الله وبما يتسق مع الاستراتيجية الأمنية للحرس الثوري ويضمن تفاعل الجهاز مع الكيانات الأمنية فيما يسمى “محور المقاومة” الإيراني.

وتنامى نفوذ الجهاز بصورة ديناميكة، وتم تعديل اسمه ليصبح بشكله الحالي “جهاز الأمن الوقائي الجهادي المركزي”، حيث يرأس الجهاز حاليا القيادي “أحسن عبدالله أحسن علي الحُمران”، وهو أكثر الشخصيات قوة وموثوقية وقربا لدى زعيم الجماعة. إلى جانب أحسن يحضر اسم (حسن عبدالرحيم قاسم أحسن الحمران)، الذي عينته الجماعة في وزارة الداخلية بنفس قرار رئيس الثورية العليا الذي عين أحسن. القرار خصص للاثنين فقط، وقضى بترقية حسن إلى رتبة “الرائد” ومنحه الرقم العسكري (20431)، ثم تم ترقيته مجددا في 2017 إلى رتبة “عقيد” بموجب نفس القرار الذي أصدره الصماد بترقية أحسن، ضمن 21 اسما من قادة الجماعة. يتوقع أنه يعمل معاونا لأحسن في إدارة الجهاز، أو لديه مهمة رفيعة في مجال الأمن والمخابرات.

ويعد حسن، نجل القيادي عبدالرحيم الحمران، الذي رافق حسين الحوثي إلى إيران وشارك في تأسيس “الشباب المؤمن” نواة الجماعة، وقاتل معه ثم مع خليفته عبدالملك، ويعد كبير الأسرة ومرجعيتها الروحية، وهو حاليا يشغل رئيسا لجامعة صعدة، إحدى محاضن التنشئة الحوثية، ومسئولا للجنة الحشد والتعبئة الحوثية.

كما كشف “ديفانس لاين” عن عدد من الاسملء التي تتقلد مناصبًا حساسة داخل هذا الجهاز، وبناءً على تراتبية سلالية، حيث يُدير العقيد أحمد عبداللطيف محمد أحسن الحمران، إدارة مكافحة الإرهاب، فيما يدير العقيد عبدالرحيم عبدالله أحسن الحمران، المنافذ والمطارات، أما الرائد إبراهيم عبدالله قاسم الحمران، يترأس دائرة حماية الشخصيات والمطارات، ويدير العقيد عبدالملك عبدالرحيم ضيف الله الحمران، شعبة الدائرة الاقتصادية، وهناك دوائر أخرى، مثل: دائرة العمليات الخارجية، والرصد والتحليل، ومكافحة التجسس، وعينت الجماعة العقيد طه إسماعيل الديلمي. مسئول التحقيقات في الجهاز، ومن بين قيادات الجهاز الرائد أمين عبده احمد الدروبي.

ويتضح نفوذ أسرة “الحمران” داخل البنية الأمنية للجماعة بشقيها، الجهاز الأمني الداخلي، والأجهزة العامة الحكومية، خصوصا في هياكل وزارة الداخلية وجهاز الأمن والمخابرات، كما أنشأت الجماعة فروعا للأمن الوقائي في المحافظات، ولرئيس شعبة فرع الجهاز في المحافظة صلاحيات تعيين وإدارة مسئولين عن المديريات والقطاعات.

وكشفت “ديفانس لاين” ، أبرز فروع جهاز الأمن والمخابرات الحوثي في المحافظات اليمنية، ففي فرع محافظة صعدة يتولى العقيد عبدالفتاح إسماعيل أحمد قاسم الحمران، أما فرع محافظة صنعاء: العقيد محمد حيدرة، وفرع أمانة العاصمة: المقدم عبدالله الحسن الحسين هادي الأمير. وفرع محافظة الحديدة: النقيب فؤاد الوشلي. وفرع مديريات محافظة مأرب: العقيد غالب حسن غالب ابوناب. بينما يتولى فرع محافظة الضالع: العقيد إسماعيل محمد الوشلي.

واستحدثت الجماعة فروعًا للجهاز في الوزارات والجهات الحكومية والواجهات العامة الخاضعة للجماعة. وحتى في وزارة الداخلية التي يديرها عبدالكريم الحوثي، عم زعيم الجماعة، تم تعيين عبدالمعين محمد قاسم الغزي، مسئولا لفرع الجهاز في مكتب المفتش العام بالوزارة، بدرجة مدير عام.

ويتحكم الأمن الوقائي بأمن زعيم الجماعة وكبار القادة ومنظومة الاتصالات الداخلية، ويناط إليه تأمين ملاذات آمنة للقدرات النوعية والمنشئات العسكرية للجماعة، منظومة الصواريخ والطيران المسير والتقنية الحربية، والإشراف على أمن مراكز التصنيع ومخازن السلاح والذخائر المتطورة.

ولا يتوقف نفوذه ونشاطه عند كونه جهاز أمن واستخبارات ومعلومات خاص، وذراع صارم لفرض رقابة دقيقة على قادة الجماعة وعناصرها، وفحص وفرز المنضمين إليها وبيده قرار قبولهم من عدمه وفق استمارات ذات طابع أمني مخابراتي، بل توكل إليه إدارة وتنسيق “عمليات خارجية” والانخراط في عمليات استخبارية ذات طابع دفاعي وهجومي وتنفيذ عمليات وهجمات لصالح الجماعة وداعميها داخل وخارج حدود اليمن.

ويصف فريق الخبراء الأمميين التابعين لمجلس الأمن الدولي الجهاز بأنه أكثر أجهزة الجماعة نفوذاً، يعمل خارج الهياكل الأمنية المعروفة، مضيفًا في تقرير مطلع 2022، أن الجهاز المحفوف بكثير من الغموض في شأن قياداته هو الأكثر قمعاً ومساهمة في حماية الجماعة من الداخل، إذ ينصب عمله على رصد حركة الجماعة وحمايتها من التسلل، كما أن من مسؤولياته الأخرى استعراض تقارير المشرفين الحوثيين، وضمان عدم فرار مقاتلي الجماعة من الجبهات، وتولي الفصل بين عناصر الجماعة في حالة المواجهات البينية، وكذا اعتقال قادة الجماعة ومسؤوليها المتهمين من قبل زعيمها.

وبحسب تقارير أممية، بات دور الجهاز أكثر بروزاً بعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في ديسمبر عام 2017. إذ لعب الجهاز دورا فاعلا في الحملة التي قادتها الجماعة ضد صالح، انتهت بتصفيته ثأرا لمقتل مؤسسها حسين، ولبسط السيطرة الكلية على السلطة، وتتحدث التقارير عن تورط الجهاز في انتهاكات وعمليات تصفية وجرائم القتل والقمع المنظمة، واشتهرت عمليات الجهاز بـ”الباص” الذي تم من خلاله استهداف واختطاف قيادات ونشطاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى