تهامة قضية شعب يرفض الاستسلام للحتلال الطائفي

في قلب أحداث الملف اليمني، تبرز تهامة كمنطقة حاسمة ليس فقط لموقعها الاستراتيجي، بل لنضال شعبها من أجل البقاء والحكم الذاتي. يخوض أبناء تهامة، وهم مجتمع يضم حوالي 7 ملايين نسمة، معركة مزدوجة ضد سيطرة ميليشيا الحوثي وضد عقود من التهميش من قبل السلطات الطائفية المتعاقبة على حكمها من احتلال تهامة من قبل جيش الإمامة الزيدية بعد سنوات من المقاومة الشرسة. في صلب هذا النضال تقف المقاومة التهامية، وهي قوة محلية تطالب بالتحرير من الاحتلال الحوثي وبحقها في إدارة شؤونها، امتدادا لنضال متجذر ضد الاحتلال والإقصاء والظلم الطائفي.
تمتد تهامة على الساحل الغربي لليمن من الحدود السعودية شمالًا إلى مضيق باب المندب جنوبًا، وتضم مدنًا مثل الحديدة وزبيد، وهي موطن قبائل تاريخية مثل عك والأشاعرة والحكم، بشبكة اجتماعية وثقافية متجانسة. تاريخيًا، كانت تهامة مركزًا للعلوم والتجارة، حيث اشتهرت زبيد، المدرجة على قائمة اليونسكو، بـ”مدينة العلم والعلماء”، وكان ميناء المخا بوابة لتصدير القهوة إلى العالم. لكن هذه الأهمية جعلتها هدفًا للإخضاع والاستغلال، حيث واجهت تهامة على مر العصور محاولات سيطرة من قوى خارجية وداخلية، أدت إلى تهميش سكانها ونهب مواردها.
لا تقاتل المقاومة التهامية لمجرد طرد الحوثيين؛ بل تسعى إلى الحكم الذاتي. فعلى مدى عقود، تم تهميش أبناء تهامة من قبل الحكومة المركزية في اليمن، التي تهيمن عليها الأقلية الطائفية. يعود الإقصاء إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما شنت الإمامة الزيدية حروبًا لإخضاع تهامة، وواجهت مقاومة شرسة من القبائل المحلية السنية الشافعية. وبعد انتصار الإمامة في 1929، نهبت الأراضي وأغلقت مؤسسات تعليمية مرموقة في زبيد. وبعد ثورة 1962، استمر الإهمال، حيث عُين مسؤولون من خارج تهامة لإدارتها، واستُبعد أبناؤها من المناصب العسكرية والأكاديمية والإدارية. “من بين 60 مدير مديرية في تهامة، لم يعين لعقود مدير واحد من أبناء تهامة بل كانت تمنح امتيازات ومجاملات للعناصر القادمة من المنطقة التي يسميها البعض بالهضبة الزيدية”. أدى هذا الإقصاء إلى تصاعد المطالبات بالحكم الذاتي في أوساط أبناء تهامة.
منذ سيطرة ميليشيا الحوثي على تهامة ومدينة الحديدة أواخر 2014، واجه سكان المنطقة قمعًا عنيفًا. اندلعت الاحتجاجات فور الاحتلال، لكن الرد الحوثي بالقتل والاعتقال دفع السكان إلى تشكيل المقاومة التهامية، وهي حركة شعبية نمت بحلول 2017 إلى قوة تضم عشرات الآلاف من السكان الأصليين لتهامة، بدعم من الإمارات ضمن التحالف العربي. “كنا على وشك تحرير الحديدة”، يقول أحد قادة المقاومة التهامية. “نعرف كل زقاق وكل حارة ومدين٦، هذه أرضنا”. لكن في أواخر 2018، أوقفت الضغوط الدولية تقدمهم عبر اتفاق ستوكهولم، الذي منح الحوثيين فرصة لإعادة تنظيم صفوفهم، مما أطال معاناة تهامة.
يقول منتقدو اتفاق ستوكهولم إنه أطال معاناة تهامة بدلاً من حمايتها، حيث سمح التساهل الدولي للحوثيين بتعزيز قوتهم. يقترح الخبراء في قوات المقاومة التهامية استراتيجية تركز على دعم المقاومة التهامية عسكريًا ولوجستيًا لتحرير الحديدة بالتعاون مع الشركاء الموثوقين كالمقاومة الجنوبية، وتعزيز دور أبناء تهامة في خفر السواحل، وتلبية مطالبهم بالحكم الذاتي ضمن يمن فيدرالي، مما يعالج الظلم التاريخي ويضمن تمثيلًا عادلًا في الحكومة.