أراء وكتاب وتغريدات

في الذكرى الأولى لرحيل الأنيس .. بقلم /عبدالقوي الماس

الوسطى اونلاين – خاص


كم هي قاسية ومريرة لحظات الفراق ؟! تلك اللحظات التي تصدمنا بوقعها الثقيل على النفوس ، ولكنها سنّة الله في خلقهِ إننا نفارق الأشخاص والأماكن والأيام في قصة رحيل لاتنتهي .
وهكذا كان وداعنا لكانون الثاني ( يناير ) من العام الماضي ؛ كان هذا الشهر يلملم أوراقه الأخيرة ويتهيئ للرحيل ، وكانت نفوسنا مستبشرة إن يكون هذا العام عام خالٍ من الأحزان ؛ خاصة إن العام الذي سبقه خسرنا فيه كثيراً من الأحبة ورجال الفكر والحكمة في حالمين والجنوب عامة ، لكن هذا الشهر يأبى أن يرحل إلا بفاجعة تزلزلت لها عروش قلوبنا وأُدميت فيها سكينة نفوسنا …حمل لنا الخميس الأخير من هذا الشهر خبر رحيل الأستاذ القدير والهامة التريوية أنيس مثنى البشيري .

حَكَمَ الزمَانُ بفرقَتِي وبعَادِي
عَمًّنْ أحبُّ ولمْ يكن بِمُرادِي

يَاوحشَتِي لفُراقِ مَن أحببتَهُ
وَحُلول قَلبِي عندهُ وفؤادِي

يَاراحلينَ وهم نزولٌ بالحَشَا
أشْمَـتمُ بِـبُعـادِكـمْ حسَّادِي

غِبتُم فغابَ سرُورُ قلبي مَعكمُ
وَعَدمتُ بعَدكمُ لذيذَ رقَادِي .

لونت ظهيرة ذلك اليوم سماء نفوسنا بوشاحها الأسود القاتم ، رحيله المبكر دون أن يطيل لحظات الوداع الذي ترك في نفوسنا جرحاً لايندمل .
رحل عنا أبو عدنان بجسده الطاهر وروحه الطاهرة التي تركت في نفوس كل من عرفه أو عايشه ذكرى عاطرة لاتمحوها الأيام ولاتذبل بمرور السنين .
لم أكن ممن يمدحك حياً أخي الغالي لأنك لاتحب المدح ولا التملق ولكنني أذكر الآن بعض خصالك من باب ( اذكروا حسنات موتاكم ) فلم يكن رحمة الله عليه ممن يحب الدنيا ويتمسك بماديتها الرخيصة كما يفعل كثيرون ؛ بل عاش حياته كمن أراد أن يضع بين أيدينا سيرته الطيبة ويرحل بدون وداع ، فقد كان من محبي التكافل الأجتماعي وكان مشاركاً في كل فعاليات المجتمع على مستوئ قريته ومديريته بل وفعاليات الجنوب ، فهو دائماً في مقدمة الصفوف .
وبرغم وضعه المادي المتواضع تجده أول المتبرعين في كل عمل خيري ، وكنت دائماً أجد على لسانه مقولة ( نحن في خدمة الشعب ) يقولها بقلب صاف ووجه عامراً بالبشاشة والطهر .
كان مثالاً للأداري المحنك يجذب الجميع لحبه بسلوكه الطيب وطبعه الهادئ ، حتى إننا لم نراه في حياته العملية يقع في خلاف مع أحد ؛ فلم يكن متسرعاً ، حتى إننا كنا نردد عنه مازحين بانه رجل لايستطيع أن يتصتع الغضب ، لانه لايجيد سوى لغة التسامح .
تعلمنا منه إن الرابح في هذه الحياة هو من يعلم بانه راحل لامحالة ، فلايأخذ من الدنيا إلا بما يكفيه في آخرته .
عرفتهُ طالباً ومعلماً ومديراً وموجهاً لاتغيره الأيام ، ذلك الأنسان البسيط المتواضع الذي يخدم الجميع وبدون مقابل …لذلك نفتقده كلما جد في حياتنا أمراً من الأمور التي تحتاج لرجال مثله ، يحملون هموم الآخرين قبل همومهم الشخصية ، ولاأقول إن هذا الصنف غير موجود ولكنه نادر في زماننا هذا .
خلال السنوات القليلة الماضية رحل عنا الكثير من رجال التربية والفكر والحكمة في حالمين وتركوا جرحاً غائراً في نفوسنا ولكن أريج سلوكهم الطيب ومآثرهم العطرة ستبقى في حياتنا شاهدة علئ تلك النجوم الزاهية التى غابت عن سمائنا وبقي نورها يستضيئ به الجميع .
عند مرورك على مقالي هذا لاأريد منك أعجاباً ، بل اطلب منك الدعاء لروح الأستاذ المرحرم أنيس البشيري وكل من فارقنا وأصبح بجوار عزيز مقتدر ، اللهم فارحمهم وأغفر لهم خطاياهم واجعلهم ممن تجاوزت عنهم واسكنهم فسيح جناتك ياأرحم الراحمين ، اللهم اغسلهم بالماء والثلج والبرد ووسع لهم في قبورهم وآنس اللهم وحشتهم وبدلهم بدار خير من دارهم وأهل خير من أهلهم إنك أنت الغفور الرحيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى