صراعات الحوثيين الداخلية… عقدة عائلية ومناوشات غير معلنة
الوسطى اونلاين _ متابعات
حتى لا يقال إنها سلطة عنصرية مطلقة، رفض عبد الملك الحوثي مقترحات متعددة بتعيين ابن عمه محمد علي الحوثي على رأس السلطة الشكلية المسماة المجلس السياسي الأعلى (مجلس حكم الانقلاب)، مفضلا أن يظل عضوا في ذلك المجلس ويدير كل شيء من الخلف، في حين ترك مهدي المشاط كواجهة لتلك السلطة، باعتباره من أسرة قبلية لا تنتمي لسلالته.
ورغم محاولات الحوثي نفي الهيمنة السلالية لعائلته، فإن ظهور ابن عمه في مقدمة العروض العسكرية وإصداره التوجيهات العلنية للحكومة وترؤسه اجتماعات مجلس القضاء فضح البعد السلالي للميليشيات في التعامل مع أبناء القبائل الذين يعملون معهم، وهو ما أوجد عقدة عائلية ومناوشات غير معلنة بين قيادات الجماعة.
وفي أحاديث خاصة مع شخصيتين عملتا ضمن سلطة الميليشيات عقب الانقلاب على الشرعية يقولان إن عبد الملك الحوثي الذي استنسخ التجربة الإيرانية، يقدم نفسه كأعلى سلطة دينية وسياسية، ولهذا أطلق على نفسه اسم «قائد الثورة» وترك أمر السلطة السياسة الشكلية إلى من لا ينتمي إلى سلالته حتى لا يستفز الغالبية العظمى من سكان اليمن، الذين ما زالوا يستحضرون نظام حكم الإمامة الذي كان قائما في الشمال، ويعتمد على الأفضلية العنصرية في التعيين.
إلا أن ذلك وفق هذه الأحاديث لم يكن ممكنا في بداية الانقلاب؛ لأن الأمر كان يحتاج إلى أشخاص من ذوي الثقة والقرب، فتم تولية محمد الحوثي السلطة في مناطق سيطرة الجماعة باسم «اللجنة الثورية العليا».
ويشرح الرجلان الذين اشترطا في حديثهما لـ«الشرق الأوسط» عدم الإفصاح عن اسميهما لأنهما يعيشان في مناطق سيطرة الميليشيات، كيف أن الصراع تنامى بشكل كبير جدا بين زعيم الميليشيات وابن عمه الذي يترأس اللجنة الثورية، والذي كان يطمح لأن يمارس سلطة سياسية كاملة، مع ترك السلطة الدينية للأول، إلا أن الثاني أدرك بعد ستة أشهر أن عبد الملك الحوثي يمسك بالسلطة الفعلية في كل مفاصل الدولة عبر ما سمي بالمشرفين، إذ وضع مشرفا مقابل كل شخص تم تعيينه في أي موقع حكومي أو في المحافظات والمديريات.
وبحسب المصدرين، وصل الأمر مرحلة أن طلب محمد الحوثي من ابن عمه تعيين المشرفين محافظين للمحافظات ومديرين للمدريات وعلى رأس كل الإدارات والمصالح بدلا من بقائهم يديرون كل شيء من خلف الستار قبل نهاية عام 2016.
خلاف أم توزيع أدوار؟
مع إبرام الميليشيات في 28 يوليو (تموز) 2016 اتفاقا مع حزب «المؤتمر الشعبي» (جناح صنعاء) لتشكيل سلطة موحدة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، تمت إزاحة محمد الحوثي، واختير صالح الصماد ليكون على رأس ما سمي «المجلس السياسي الأعلى»، باعتباره لا ينتمي لسلالة الحوثي، لكنه مثل غيره من أبناء القبائل الذين تلقوا تعليما طائفيا في صعدة كان يؤمن بقداسة السلالة الحوثية، باعتبار أن هذا الإيمان هو الطريق إلى الجنة.
وفي مقابل ذلك احتفظ محمد الحوثي بـ«اللجنة الثورية»، واستغل اختباء ابن عمه في أحد كهوف صعدة وتحرك في المناطق القبلية لإجراء مصالحات وحشد مقاتلين؛ حرصا على أن يظل رقما في المعادلة، بحسب المصدرين.
وذكر الرجلان، أن محمد الحوثي دخل في صدام مع عبد الكريم الحوثي عم زعيم الميليشيات الذي كان مشرفا وحاكما لصنعاء بكل ما فيها من نفوذ سياسي وأمني وأموال وأراض، إلى جانب احتفاظه بجهاز أمني خاص وولاء سياسي، حيث كثف محمد الحوثي حضوره العسكري من خلال توليه مهمة الحشد والتجنيد، والبحث عن حضور شعبي من خلال الاختلاط بالقبائل وتقديم نفسه لسكان الأرياف باعتباره «الحاكم المتواضع القريب منهم الساعي لإنهاء الخلافات ومعالجة قضايا الثأر».
وبالتوازي مع ذلك سعى محمد الحوثي إلى تقديم نفسه لدى المنظمات الدولية وحتى لدى النشطاء كممثل لجناح الاعتدال، فتدخل لحل بعض المشكلات التي تعترض المنظمات الأممية، وتوسط لإطلاق ناشطين سياسيين عملوا مع الميليشيات قبل أن يتحولوا إلى موقع المعارض لأداء سلطتها.
وفي خطوة لاحتواء هذه الطموحات التي ظهرت وكأنها بداية لتشكيل جناح آخر للصراع على الزعامة الطائفية تم تعيين محمد الحوثي وعبد الكريم الحوثي عضوين في مجلس الشورى الذي لا يمتلك أي صلاحيات لكن الأخير رفض القرار، ولهذا اضطر زعيم الميليشيات إلى تعيينه وزيرا للداخلية باعتباره يشرف على جناح أمني يديره حينها نائب رئيس جهاز المخابرات عبد الحكيم الخيواني، كما عين الآخر عضوا فيما يسمى «المجلس السياسي الأعلى».
بعد ذلك أصبح محمد الحوثي يتصرف ويمارس سلطات تتجاوز مهدي المشاط الذي يترأس هذا المجلس، ووسع من هذه السلطات إلى السيطرة على جهاز القضاء وعلى ملف الأراضي في كل مناطق سيطرتهم، حيث أنشأ لنفسه ما سماها «المنظومة العدلية»، ومن خلالها قام بتغيير كل محرري عقود البيع والشراء، وشكل لجانا ميدانية لمراقبة القضاة والعاملين في المحاكم ومحاسبتهم فورا، وتجاوز ذلك إلى إصدار توجيهات للحكومة عبر حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي.
وتذهب بعض الآراء اليمنية إلى أن ما يحصل بين القيادات الحوثية قد يكون مجرد توزيع للأدوار خصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع بعض المنظمات الدولية أو وسائل الإعلام.
واجهة السلطة
مصدر ثالث كان عمل أيضا مع الميليشيات لأكثر من ثلاثة أعوام يقول إن زعيم الميليشيات يتعامل مع أبناء القبائل «كأتباع وجنود ينفذون مهاما فقط، ولكنه يعتمد في الأساس على المقربين منه أسريا وسلاليا».
ويورد المصدر أمثلة على ذلك، من قبيل ما حصل في مؤتمر الحوار الوطني عام 2013، حيث كان صالح هبرة هو رئيس المكتب السياسي للميليشيات وعضو رئاسة مؤتمر الحوار الوطني، لكن القرار النهائي من القضايا التي يتم مناقشتها كان مرتبطا بشاب في العقد الثالث من العمر اسمه الحسن الحمران وهو أحد أصهار زعيم الحوثيين.
ويرى المصدر أن الدور الذي يلعبه المشاط اليوم وهو المولود في قرية الرقة، بمنطقة مران التابعة لمديرية حيدان غرب محافظة صعدة في منتصف الثمانينات، هو نفس دور هبرة، لكن القرار الفعلي بيد محمد الحوثي، متوقعا أن يتم الاستغناء عن المشاط في أي وقت.
ويضيف «هناك مثال آخر يتعلق بشخص آخر اسمه القاسم الحمران، وهو صهر آخر للحوثي منح رتبة لواء، ويتولى حاليا قيادة ما تسمى كتائب الدعم والإسناد، وهو أيضا المشرف الاجتماعي والثقافي في الجماعة، وهو موقع يوازي موقع رئيس حكومة، وإلى جانب ذلك عينه الحوثي نائبا لأخيه يحيى الحوثي في وزارة تعليم الانقلاب للتغطية على عمله الأساسي، وهو تجنيد طلبة المدارس والإشراف على تغيير المناهج الدراسية، وإحلال عناصر الميليشيات بدلا عن المعلمين الذين يتم فصلهم.
ويؤكد المصدر في حديثه أن تاريخ عمل المشاط الذي يعرف بأنه «متهور وعنيف» لم يشفع له في شيء، فلا يزال «ابن القبيلي» رغم أنه كان من أوائل المراهقين الذين أرسلهم حسين الحوثي إلى صنعاء لترديد شعار «الثورة الإيرانية» في أوائل عام 2001، كما عمل بعد ذلك مسؤولاً عن ملف المفاوضات في مكتب زعيم الميليشيات منذ عام 2006 وحتى ما بعد اقتحام صنعاء.
ومثل المشاط حينها الميليشيات في المفاوضات مع القوى السياسية، وعرف بسلوكه «البلطجي»، حيث هدد قادة الأحزاب بأنه يحتفظ ببيان إعلان الانقلاب في جيبه إذا لم يقبلوا شروط الجماعة كاملة ودون أي نقاش، كما كان عضواً في فريق الميليشيات في محادثات جنيف 1 وجنيف 2 عام 2015، وخلال محادثات الكويت عام 2016، وبعد ذلك عين عضواً فيما يسمى المجلس السياسي الأعلى عام 2017، وتولى إدارة الملف الاقتصادي.