مقال لـ محمد الشيباني .. الفرق بين ممارسة الطب وممارسة الجريمة
يقسم ممارس مهنة الطب قبل ممارسة مهنته على انه سيراقب الله في عمله، وانه سيصون حياة الإنسان في كافة ادوارها وفي كل الظروف، وانه سيبذل وسعه في استنقاذ هذه الحياة من الموت والمرض والألم والقلق.
في المطلق يمكن وصف هذا القسم بالقسم الفاجر، ففي الحالة اليمنية يتجلى هذا الفجور أكثر فأكثر كلما قمنا بمحاولة عمل مطابقة بين مضمون هذا القسم وبين واقع حال الطبابة في اليمن.
لا يختلف اثنان على حقيقة ان هذا الواقع ليس فيه ما يسر الخاطر، خصوصاً وان هذه المهنة وممتهنيها – بتحللها من ركائزها الأخلاقية والإنسانية- قد تجاوزت سقف المنطق والمعقول، لتبدو – في مظهرها العام – وكما لو انها واحدة من تلك المهن المعنية بالانخراط في معادلة تحقيق المضاربة على الأجر، حيث يكون آخر همّ المنخرطون في هذه المعادلة هو ان تتم هذه المضاربة على حساب الآم ومعاناة المرضى!
إذاً، كيف إذا كنا في معرض حديث يركز فكرته على علاقة غير شرعية قائمة بين المال والطب يجري فيها اخضاع المريض لسلسلة طويلة من الإجراءات الروتينية المرهقة التي صُممت بهدف استنزاف طاقته المالية حتى اخر ريال، وحيث لا ضمانة لحصول المريض على شيء، لا تشخيص صحيح لحالته ولا علاج مناسب؟! اظن هنا فقط يكون انتشار المشافي والمراكز الطبية الخاصة، بمثابة الحالة التي ترشح عن وجود فراغ حقيقي في مهنة الطب، فراغ يرصد فيه غياب الكفاءة ثم الضمير وتتلاشى فيه فرص الحصول على خدمات طبية حقيقية، حتى وانت تدفع نظير الحصول على هذه الخدمات.
في اليمن فقط يموت الناس من امراض يسهل علاجها، هذا ما تقوله منظمة الصحة العالمية، وفي اليمن فقط تبدأ معاناة المريض الحقيقية مع لحظة تفكيره بأنه بحاجة إلى العلاج، ولا تبدأ مع لحظة شعوره بالمرض.
في اليمن فقط تصبح الإصابة بنزلة برد حالة خطيرة تستدعي اخضاع المريض لأكثر من كشف وأكثر من فحص مخبري، وفي اليمن فقط، تصبح الاكياس الدهنية اورام سرطانية.
في اليمن فقط عندما تغيب الرقابة على الممارسات الطبية الخاطئة، تحضر نقابة الاطباء كشاهد زور على التجاوزات المهنية والاخلاقية التي تحدث في مهنتها.
في اليمن فقط لا تسمع عن طبيب جرى تجريمه عن خطأ طبي ما كان ليحدث لولا غياب عنصر الكفاءة لدى هذا الطبيب بل تسمع عن ولي أمر لمريض بحاجة إلى إجراء عملية، فرغت إدارة المستشفى للتو من ارغامه- بأسلوب ناعم- على توقيع إقرار يعفي بموجبه الطبيب وإدارة المستشفى من اي مسؤولية قانونية تجاه مريضه. في اليمن فقط بمقدور اي طالب تخرج للتو من كلية الطب ان يستيقظ صباحاً ليباشر عمله في علاج المرضى.
ثمة تجارب طويلة قاسية تكاد تؤسس لقاعدة في وعي الإنسان اليمني، تعرّف علاقته بالطبيب على نحو سلبي للغاية، وتعرض على صورة مشوهة لمهنة الطب وممتهنيها في اليمن.. صورة يتعذر معها التماس الفارق بين الطبابة والإجرام، بين الطبيب وبين المجرم.