أراء وكتاب وتغريدات

الفساد في الأرض .. والإضرار بالناس

الوسطى اونلاين – خاص


يقول الله تعالى : { والله لاَ يُحِبُّ الفساد } أي لا يحب من هذه صفته ، ولا من يصدر منه ذلك، فالغالب أن المفسد يسيء إلى الناس بفساده، لهذا لما نصح القوم الصالحون قارون قال الله حاكياً عنهم أنهم قالوا له:{ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } أي لا تكن همتك بما أنت فيه أن تفسد به في الأرض وتسيء إلى خلق الله { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين }.

إن الله تعالى يجيبنا بوضوح عن (السبب الأساسي) لظهور الفساد في الأرض يقول تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، فبسبب ما كسبه الناس من جنوح عن العدل وميل إلى الظلم انتشرت موجبات الفساد والانحراف عقوبة لهم.

ولقد حرص الإسلام على أن يستبين المسلم ويستوثق مما يدخل بطنه من الحلال أو الحرام وعدّ ذلك من باب الحياء من الله، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” استحيوا من الله تعالى حق الحياء، من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ” [ تحقيق الألباني: (حسن) صحيح الجامع ].

ومن المعلوم أن البلد التي تحوي الثروات تكون مطمعاً لأهل الفساد، يقول عبدالرحمن بن حسن حبنّكة في كتابه [ أجنحة المكر الثلاثة ] : ” وهذه الخصائص والهبات الربانية من شأنها أن تثير مطامع الطامعين ، وحسد الحاسدين ، فتجلب إلى أهلها موجات الغزاة ، وتجعلهم عرضة لعدوان المعتدين ومحاولات تسلط الغاصبين ، الذين ليس لديهم من الدين أو مخافة عدل رب العالمين ما يردعهم عن الاعتداء على حقوق غيرهم ،

فيحملون أسلحة التسلط المدنس بالمطامع الأنانية ، ويباشرون أعمال الغزو غير المقدس ضد أصحاب الأرض الشرعيين ، ولا غرو أن يقف هؤلاء موقف الدفاع الشريف عن أرضهم وبلدهم ، وبذلك يقع الصدام الدموي المسلح ، وتسفك الدماء ، ويكثر الفساد في الأرض.

والباعث المؤدي إلى حدوث هذه الويلات الجسام منحصر في المطامع النفسية الدنيئة التي ليس لها سند إلا الأنانية المجرمة ، وحب الأثرة ، والرغبة بالعدوان”.

وما أجمل ما قاله الشيخ الشعراوي في تفسيره : ” ومن المتاعب أيضاً ما يلقاه المؤمنون من عنت المستفيدين من الفساد؛ هؤلاء الذين يعيشون على الانتفاع من المفاسد، ويواجهون كل من يريد أن يقضي على الفساد؛ لأن الفساد في الأرض لا يعيش إلا إذا وُجِد منتفعٌ بهذا الفساد؛ والمنتفع بالفساد يكره ويعلن الخصومة لكلِّ مقاومٍ له”.

والذي لا ريب فيه في كل زمان ومكان أن يستميت الفاسدون للحفاظ على مصالحهم مستخدمين شتى الطرق للإبقاء عليها، تقول رولا أحمد ممتاز دعدوش في بحثها بعنوان ( يحبهم ويحبونه ) : ” إنّ قول كلمة الحقّ وإقامة العدل أمرٌ صعبٌ، لكنّ الذين يأمرون بالعدل لا يخافون أحداً ما داموا يطيعون الله،

مع أنّ عملهم هذا يثير الكثير من النّاس الذين يشيعون الفساد في الأرض وممن لا يرضيهم ذهاب مصالحهم (من مال أو جاه أو منصب..) فهم يقدّمون الرشاوي في سبيل الانتصار لحقوقهم ولو فيها اغتصاب لأموال الآخرين وظلمهم”.

إن اقتلاع جذور الفساد يحتاج إلى همم عالية، وأناس يعرفون الله حق المعرفة، هذه الطائفة المباركة تمثل ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، في القول والعمل والاعتقاد، كما قال صلى الله عليه وسلم: «هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي »،

إنهم بقية صالحة من الذين قال الله فيهم: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ}.

قوم ـ كما يقول محمد التويجري ـ ” تمثلت في واقع حياتهم عبادة لله في جميع أحوالهم، منهجاً للحياة، ونظاماً للحكم، وتجرداً لله في كل خاطرة وحركة، فهؤلاء هم من سيجعل الله لهم العز والنصر والتمكين”،

لا أن نغتر بكل ناعق يريد محاربة الفساد وهو في الأصل مفسد سافك للدماء .. بعيد عن منهج الله عز وجل، فأمثال هؤلاء لا يمنعون الفساد في الأرض بل يزيدونه تمكناً، ولعل افعالهم القبيحة على ظهر الواقع هي أكبر وأصدق شاهد على ذلك.


✍?أحمد باحمادي..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى