أراء وكتاب وتغريدات

مكاتب الصحة و المستشفيات بين الواقع والمأمول

غيل باوزير (الوسطى اونلاين) أمجد سالم الرامي

مستشفى غيل باوزير نموذجًا
تأسس مستشفى غيل باوزير في خمسينات القرن الماضي كمركز صحي واعتمد كمستشفى ريفي مؤخراً ورغم أن المحاولات كثيرة وحثيثة لتحويله إلى مستشفى عام إلا وأنه إلى اليوم يعيش وضعا مؤسفا حيث حاولت إدارات كثيرة انتشاله من وضعية السبات المزمنة التي يعيشها لكنها جهود جلها لم تثمر شيئا واضحا للعيان إذا استثنينا التوسع العمراني الأخير فقط .
لا يزال المستشفى يترنح ويؤدي مهاماً ليست في المستوى الذي يطمح له أهالي مديرية تعد الثالثة من ناحية عدد السكان و الأولى مساحة .
في عملنا الصحفي هذا حملنا تساؤلات عدة تبحث عن أجابات لها طفنا بها على المختصين في الموضوع في أكثر من ثلاث جهات رسمية منها إدارة المجلس المحلي ومكتب الصحة و إدارة المستشفى .

كادر ضخم على الورق :
يبلغ كادر مكتب وزارة الصحة والإسكان بغيل باوزير 285 منتسب الأمر ، والحضور الفعلي في الميدان هو 197 بعد إخراج المتوفين و ذوي المبررات ( وليس كما تداوله بعض الناشطين بأنه قد بلغ 400 ) منهم حوالي 45 طبيب مابين عام واختصاصي ، مجمل الكادر يتوزع على مستشفى واحد و مركزين صحيين و 10 وحدات صحية لقد كانت كشوفات الرواتب صادمة جدا عند مقارنتها بالواقع على الميدان.

توزيع الأطباء :
1- عدد (43 طبيب\ة في كشف الراتب ) 2- عدد ( 2 تخصص أطفال ) 4- عدد ( 3 باطني ) 5- عدد ( 1 صدر ) 6- عدد ( 1 جراح ) 7 – عدد ( 1 تخدير) 8- عدد ( 7 طب أسرة ) 9- المتبقي أطباء عموم .
المنقطعون إما لغياب أو لتفريغ دراسي أو لتحويل إداري كالتالي : ( عدد 2 محولين إدارياً ، عدد 4 حالات مرضية ، عدد 5 منتدبين ، عدد 5 مفرغين للدراسة ). المتبقي 27 طبيبا .
فجوة رهيبة تصدم فعلاً من يطلع عليها … أين ذهب غير المتواجدين في الميدان … أهم موقوفون …. أم مفرغون … أم في إجازات أم هو نظام النوبات .
وللتفسير هذا التعارض بين الحضور على أرض الواقع وبين الأوراق الرسمية تواصلنا مع مدير المديرية التوضيح والذي لم نتمكن من لقائه .
بينما استطعنا لقاء مدير مكتب الصحة في المديرية الدكتور حسني بافضل و الذي يشغل منصب مدير مستشفى غيل باوزير في نفس الوقت أيضاً وهو أمر ربما اختصت به مديرية غيل باوزير كون مستشافها ريفيا .


الأخ مدير مكتب الصحة كانت إجابته موضحة هذا التباين الكبير بين الأوراق الرسمية والحضور في الميدان حيث قال ( لدينا كادر يبلغ 285 المتواجد فعليا منهم 197 منتسبا فقط ) وعند السؤال عن الفارق أجاب ( هم مابين متوفين ومحولين إدارياً أو منتدبين أو مفرغين للدراسة ومعظم هذه الحالات تراكمية من فترات سابقة و وجودها إما لكون القانون يتيحها أو أنها مما لا نستطيع إدارياً الاعتراض عليه بالرغم من أننا رفعنا بهذه الإشكالية أكثر من مرة ).
كان بالإمكان أن نستشف من حديث الدكتور أنه غير راض لكن لم يفصح عن ماهية الجهات التي منحت هذه التفريغات والانتدابات ، لكن المواطن لا يرى إلا شللا يصيب مرفقاً هو بأمس الحاجة إليه . ولا يتقبل فكرة أن طبيبا من أهل بلده يعمل في مستشفى غير مستشفى بلده أو منتدباً في جهة ما حتى وان كان هذا متاحاً قانونيًا .

أثر التواجد في الكشوفات بخلاف الواقع :
أدت سياسة النوبات والتفريغ وما أشبه لبعض الأطباء والكادر إلى خلل كبير في سير العمل في المستشفى خاصة في قسم العيادات التي يأمل أن تكون يومية وشاملة لكافة التخصصات فأصبحت العيادات التخصصية والعامة شبه مشلولة وشكل الأمر عبئا ليس بالهين على الأطباء المتواجدين فعلياً وهو أمر يمكن للمراجع أن يلحظه بشكل واضح حيث :-
1- عيادة الرجال العامة تداوم ليومين فقط في الأسبوع وبطبيب واحد فقط .
( التبرير الرسمي ..بالنسبة للعيادة العامة رجال يومين لقلة الكادر الذكوري والنساء يوميا ..وهناك عيادات مختصة مثل الباطني تكون مع العيادات العامة ..)
2- الطبيب الاختصاصي يداوم ليوم واحد في الأسبوع وباقي الأسبوع يتم التعامل معه بنظام الاستدعاء سيء السمعة .
( التبرير الرسمي …دوام الاخصائي عيادة بالاسبوع ونوبات يومين بالاسبوع بحسب الساعات المعتمدة من قانون العمل..)
3- يفترض تواجد طبيبين معاً ( على اقل تقدير ) يوميًا إلا أن ما يحدث أحيانا هو اقتسام النوبة بينهما .
( التبرير الرسمي …يفترض يكون أكثر من طبيب مناوب بالنوبة بحيث يكون واحد بالحضانة وواحد بالوضع وواحد بالطوارئ ولوجود النقص الشديد يوجد اثنين يتم تقاسم النوبة عند الضرورة وذلك لأن ثلثي الاطباء اناث ويوجد دارسين ..)
قد يكون من المحرج الضغط على الأطباء خاصة لمن أمكنه الإطلاع على مقدار الرواتب المزرية التي يستلمونها حيث صعقنا بمعنى الكلمة من تهالك رواتب بعض الأطباء ( بعضهم أقل من عشرين ألف ريال يمني ).

معضلة الدعم الشعبي :
من نافلة القول أن مجانية العلاج والدواء تم اغتيالها بتفعيل ما يسمى بالدعم الشعبي في مستشفيات الحكومة فأصبحت متقاربة في نظيراتها الخاصة ، تجبي إدارة مستشفى غيل باوزير من المواطنين شهريًا ما يقارب الثلاثة مليون ريال شهرياً ، فهل ما يتم فرضه على المواطنين بمسمى الدعم الشعبي قانوني وهل قيمة السندات مبالغ فيها وهل من الممكن أن يتم الاستغناء عن الدعم الشعبي ، هذه الأسئلة ونظيراتها إلى الموظف المختص إحسان عمر الشرفي المدير المالي للمستشفى والذي أسهب في شرح الحالة المالية للمستشفى كما أوضح كيفية فرض رسوم الدعم الشعبي حيث قال : ( لا يعلم الكثير أن الموازنة الشهرية لمكتب الصحة بالمديرية بمستشفاها والمركزين الصحيين إضافة إلى الوحدات الصحية العشر تدار بمبلغ وقدره مليون وأربع وخمسين ألف ريال فقط وبعض الوحدات الصحية مخصصها 2750 ريال … كيف يمكنك أدارة 13 منشأة صحية بهذا المبلغ رغم أنها جهات مستنزفة مالياً …. فوجود الدعم الشعبي يعتبر ضرورة مرة للجميع وبغيره لن يستمر العمل )
وبسؤاله عن موافق الرسوم المفروضة هل هي وفق القانون أجاب ( تعتبر رسوم الدعم الشعبي بمستشفى الغيل أقل من نظيراتها رغم أن كثيراً من المستشفيات حصلت على امتياز التصرف المطلق في ما تحصل عليه من الدعم الشعبي في ظل الالتزام الوحدة المحاسبية في المديرية بحرفية القانون وتقسيم حصيلة الدعم )
وباستفسار أكثر عن هذه النقطة أوضح لنا قائلا ( لنفترض أن رصيد الدعم الشعبي لفحص في المختبر ب 1000 ريال القانون يفرض علينا أن يستقطع منه 400 ريال حوافز و 400 أخرى تحسين خدمات صحية و 100 دعم أنشطة وقائية خارج المستشفى و 80 مجالس طبية و 20 طباعة ، لاحظ أننا إلى الآن لم نسترد قيمة مواد الفحص الفعلي ولكي نستردها ينبغي أن يضاف مبلغ آخر مما قد يوصل قيمة الرصيد إلى 2000 ريال ، ولهذا لم تقم الإدارة بإدخال رسوم سيارة الإسعاف ضمن الدعم الشعبي لكي لا تتضاعف الكلفة على المواطن كما أننا نقدم يومياً إعفاءات من رسوم الدعم بما يعادل 30 ألف ريال )
لكن المواطن في الأخير لا تعنيه أي تبريرات والكثير لن يعيها ما سيدركه فقط أن قرار الدعم الشعبي ذبح مجانية التطبيب وألقى عن كاهله الحكومات واجباً لا تعذر بتركه .

وحدة عناية مركزة مع إيقاف التنفيذ :
وحدة العناية المركزة بكامل أجهزتها وكادرها و التي لم يتم استغلالها هي نموذج للوضع الذي تعيشه المستشفى فمع وجود الوحدة وكادرها إلا أنها لم تستغل ولم تفعل فيما يعاني الأهالي ومرضاهم الأمرين لنقل المرضى إلى مستشفيات خاصة أو مستشفى ابن سيناء للحصول على هذه الخدمة بينما هي مجمدة ومركونة جانباً في أروقة المستشفى .
وعند سؤال الأخ مدير المستشفى عن أسباب عدم تفعيل وحدة العناية أجاب قائلاً ( العناية المركزة تتكون من كادر وتجهيزات ومكان مناسب ..فالتجهيزات موجودة والكادر والمكان غير موجود لكن مع التوسع الحاصل خططنا للعناية وتم تدريب مجموعه من الفنيين ونحن في خطة ٢١ جاهزين لفتحها ورفعنا تصور كامل لمكتب الصحة بالمحافظة ولدينا توجيه من الاخ المدير العام بنزول لجنة تقييم ووضع اللمسات الأخيرة..) .
لا يخلو الأمر من عجب حينما تعلم أن مسجداً كاملاً تم إنشاؤه في وسط المستشفى وشغل حيزاً مهما من مساحة المستشفى بينما غرفة العناية لم تجد لها مخصصاً ولا داعماً .

الأطباء الأجانب وعدم استقراهم بالمديرية :
عانت مستشفى غيل باوزير من عدم استقرار الأطباء الأجانب فيها ما أدى إلى خسارة المستشفى لأطباء كثر مما جعل تساؤلات المواطنين مشروعة ومبررة فهل السبب ضعف متابعة لإجراءات استقدام الأطباء الأجانب ومستحقاتهم أم أن هناك أسباباً لا يعلمها أحد .

وبسؤال الأخ مدير الصحة بالمديرية الدكتور حسني بافضل عن الأسباب أجاب موضحاً : ( الأطباء الأجانب يأتون ضمن بعثات معتمدة من قبل وزارة الصحة هي من تتحكم بكل ما يخصهم ، و الإشكالية الحقيقية تتمثل في تأخر رواتبهم إلى فترات تصل أحياناً إلى 11 شهراً و فوق ذلك نقوم بما في استطاعتنا من متابعات وإسهامات لتخفيف وطأة مشكلتهم ) .
وعندما أخبرناه أن إشكالية الأطباء الأجانب غير ملحوظة في بقية المديريات أوضح أن بعض المجتمعات المحلية متكاثفة واستطاعوا أن يدعموا استمرار عمل الأطباء الأجانب .
وهنا السلطة الصحية المحلية ألقت الكرة في ميدان المجتمع المحلي للمديرية في ظل ضعف الموازنة الصحية للمديرية .
معضلة الصيانة والإتلاف والمزادات:
المواطنون في المديرية متذمرون مما يصفونه بالإهمال في الصيانة عموما ويرون أنها أدت إلى خراب كثير من المعدات منها المستشفى . أضف إلى ذلك المعدات التي يعتقد أنها استهلكت في مدة قياسية وغير منطقية .
الأخ مدير مكتب الصحة عند مواجهته بتساؤلات الشارع أوضح قائلاً (لايوجد مهندس معدات طبية وقدمنا طلب بالتعاقد مع مهندس معدات طبية والى الان لم نتوفق.. ورشحنا مجموعه من الفنيين وخاصة المختبر في دورة سابقة لكنها كانت قصيرة وغير شاملة.. بالنسبة لصيانة المعدات الطبية تكلفة إصلاحها كبيرة جداً وللأسف لا يعلم هذا إلا المختصين بهذا الشأن ومع ضعف الموازنة وانصراف الداعمين المحليين إلى أمور أقل أهمية أحياناً يتعثر أو يتأخر إصلاح بعض الأجهزة ، و قد تداول بعض رواد منصات التواصل الاجتماعي قبل فترة حول مزاد قيل انه بيعت فيه أجهزة طبية وهو أمر عار عن الصحة ومكتبنا مفتوح لمن يريد الحقيقة ، لقد أعدنا تأهيل ثلاث سيارات إسعاف كانت مركونة في الجراج وهي الآن في الخدمة ونحن على استعداد للتعاون مع أي جهة أو شخص تستطيع أن تقدم خدمات غير مشروطة للمستشفى )
لا شك أن المواطن يسعى لخدمة أفضل وأجهزة أحدث نظير ما يقدمه من مال وهو يتطبب في مستشفاه الحكومي فمن غير المعقول أن يمتلك المواطن جهاز ضغط حديث في بيته تفتقده مستشفى الحكومة أو أن تخلو مستشفاه من جهاز أشعة تلفزيونية بينما تعج به العيادات الخاصة ناهيك عن الحاجة الملحة إلى جهاز الأشعة المقطعية على أقل تقدير .


الدورات والتأهيل :
لتقينا أحد كادر المستشفى الذي أبدى انزعاجه من طريقة منح الدورات التأهيلية قائلاً ( لا تمنح الدورات التأهيلية لمن يستحقها فعلا كدورات الإنعاش والأشعة والصيانة فهي إما منحت لغير مختصين أو متعاقدين وتم استبعاد الأساسيين والمختصين الذين هم أجدر بها من غيرهم ).
وحينما أطلعنا مدير مستشفى غيل باوزير بما أخبرنا به المتظلم من طريقة منح الدورات أجاب قائلاً ( نحن نمارس شفافية شديدة في الإعلان عن الدورات كما أن معظم الدورات تأتي مركزياً بحسب شروط خاصة لا نحيد عنها كما أن الجهات الأخرى أيضا تشترط شروطا معينة نلتزم بها وعلى كل يتم إشراك رؤساء الأقسام في عملية اختيار المرشحين للدورات لشفافية أكثر )

جهات داعمة ولا أثر :
خلال هذه الحرب حاولت كثير من المنظمات الدولية تخفيف آثار الحرب على القطاع الصحي وعلى رأس هذه المنظمات منظمة الصحة العالمية . هذه المنظمة وكثير لا يعلم أنها تدعم الأطباء العاملين في المستشفيات بمبالغ ليست بالهينة وبشروط حاسمة منها تواجد الطبيب ل24 ساعة بالمستشفى وبحسب ما وصلنا فإن هذا الدعم كان يصل إلى الأطباء العاملين ولكن تم إيقافه
تواصلنا مع فرع المنظمة في المكلا والذي لم يرد على رسائلنا والتي احتوت الأسئلة التالية :- من يستلم هذه المبالغ – لماذا يستثنى الفنيون والممرضون ومن في مرتبتهم من هذه المنحة .
وبغض النظر عن عدم توفر الإجابة فقد حملنا هذه الأسئلة إلى مدير الصحة الذي قال : ( صحيح تقدم المنظمة دعما للأطباء العاملين ولكننا رفضناه في النهاية نظراً للشروط القاسية وللإشكاليات التي تسبب فيه هذا الدعم والدعم الآن متوقف )
ونظرا لعدم استجابة فرع المنظمة لم نستطع أن تستوضح أكثر عن أسباب انقطاع هذا الدعم وما إذا كان ثمة مشاريع سابقة أو قادمة لدعم الكادر الطبي أو المنشئات الطبية
في نهاية هذا التقرير الصحفي نود القول أننا حاولنا بقدر الإمكان استقصاء كافة الجوانب و كان همنا إجلاء الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة … ومن كل ما سبق يتضح مدى العجز الذي يعيشه القطاع الصحي في مديرية غيل باوزير رغم ما ذكره مدير الصحة ((أن هناك دعما مقدماً من الأخ المحافظ لكل المستشفيات الأساسية و مستمر إلى اليوم )) إلا أن ما يبدو أن ما يمنح كموازنة ودعم لا يمكن بواسطتهما الإسهام في تغيير هذا الواقع المؤلم ( مليون واثنان وخمسون ألف ريال موازنة ) وللنهوض بالصحة ينبغي أن نضخ السلطة المحلية أموالاً أكثر لإصلاح أوضاع الصحة بالمديرية والمحافظة عامة وأن تعزز ميزانيات المستشفيات عموما إما بإنشاء صندوق لدعم الصحة أو تخصيص موارد بعينها لهذا القطاع ، ما يحدث في هذه المديرية ربما يكون نموذجا لما يحدث في مديريات أخرى …. في وطن أكل بعض أبنائه منه أكثر مما أكلت الحرب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى